نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين تحيي ذڪرى رحيل “الكبير” عبدالله باذيب
العاصمة عدن (منصة البلد) خاص
أحيت نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين اليوم الخميس في مقرها بالتواهي في العاصمة عدن ، ندوة مكرسة عن حياة الفقيد المناضل والمفكر السياسي والصحافي الوطني عبدالله عبدالرزاق باذيب في ذكرى رحيله 48 .
ورحب النقيب عيدروس باحشوان نقيب الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين بالحضور النخبوي للفعالية وفي مقدمتهم نجل الفقيد القاضي وضاح عبدالله عبدالرزاق باذيب، رئيس نيابة جنوب عدن، وعدد من رفاق الفقيد وتلامذته، كما حضرها رئيس مجلس الإدارة رئيس تحرير صحيفة 14 أكتوبر محمد هشام باشراحيل.
وأكد باحشوان في كلمة الترحيب أن إحياء نضالات القامات الوطنية ومنهم عبدالله باذيب إنما رد اعتبار لفترة شابها الظلم لمسيرة نضالية وكفاحية ، كما أن إحياء هذه الفعاليات في مقر النقابة لها من الرمزية ورد الاعتبار للمكان الذي كان قبلة للصحفيين والمفكرين والمثقفين والفنانين والمبدعين، على مدى عقود مضت، الذي تعرض للإهمال والعبث حتى استنهض الصحفيون الجنوبيون في التداعي وعقد مؤتمرهم في يناير 2023م والعودة إلى مقرهم وانتشال أوضاعه المزرية.
وفي كلمته، عبر القاضي وضاح باذيب، عن سعادته بدعوة النقابة للفعالية وإحياء ذكرى والده الفقيد عبدالله باذيب، كصحفي ومفكر وطني حر، أسس مدرسة للصحافة منذ الأربعينيات من القرن العشرين الماضي ، بدءًا بصحيفة المستقبل ومرورًا بصحيفتي الطليعة والأمل وصولات وجولات في أداء رسالة صحفية وطنية اختطه قلمه.
وقال باذيب الابن إن والدي امتاز بوضوح الموقف واستشراف المستقبل واستقلالية للرأي حمل من خلالها رايات الحق والانتصار لقيم شعبه، كما كان متصالحـًا مع أهداف رسمها مبكرًا وعاش للانتصار لها، وما زلنا نحملها الآن رغم رحيله مبكرًا.
وتناول القاضي وضاح باذيب محاكمة والده في عهد الاستعمار البريطاني بسبب مقاله “المسيح الجديد الذي يتكلم الإنجليزية”، بتهمة إثارة الكراهية والعداء للحكومة البريطانية وبين طوائف وطبقات السكان، وما كان من الحشد الكبير خارج القاعة الذي حمله على الأكتاف بعد أن تحول إلى قاضٍ يحاكم الاستعمار داخل المحكمة.
ودعا باذيب في سياق كلمته الى أهمية إحياء قيم الصحافة الحرة والنزاهة الوطنية في هذا الوقت العصيب الذي يمر به وطننا من انحراف في اداء الرسالة عند البعض ، واستخدام الصحافة للابتزاز عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإساءة للآخر، مما يتطلب منا جميعـًا التكاتف والعمل على إعادة البوصلة إلى وضعها الطبيعي الوطني من أجل بناء مستقبل آمن ومستقر لأولادنا والأجيال القادمة وغرس حب الوطن فيهم.
وقدمت الأستاذة رضية شمشير نائب نقيب الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين ورقة بعنوان : “عبدالله باذيب، صحافي من طراز فريد جاء فيها:
لاشك أنـَّه من الصعب، أن نتحدث بشمولية عن عطاءات الفقيد عبدالله عبدالرزاق باذيب في مجال الصحافة، وعمله في تجديد الحياة الأدبية والثقافية والاجتماعية منذ عام 1949م، عندما أصدر مجلة “المستقبل” الشهرية وحتى إحراق مطبعة “الأمل” في عام 1965م؛ لأنَّ ذلك يحتاج إلى حيز أوسع، وربما لبحث علمي لوحده.
وأوضحت في سياق ورقتها قائلة: سأتحدث من خلال هذه المساهمة المتواضعة عن دور عبدالله باذيب في إعادة صدور وتطوير “مجلة الثقافة الجديدة” عندما تحمل مسؤولية وزارة الثقافة والسياحة في عام 1972م بعد تقديم وزارة الإعلام والثقافة إلى وزارتين.. في تلك الأيام العصيبة، التي قد يكون ربما نسيها بعض من الناس.. مؤكدة أن الفقيد عبدالله باذيب قد تحمل بصبر فائق العملية الشاقة لإرساء الهياكل الأساسية في مختلف المجالات الثقافية، ومن ضمنها مجلة “الثقافة الجديدة” التي كان قد صدر أول عدد منها في أغسطس 1970م، كمجلة فكرية شهرية تحت شعار: “درب المناضلين في الفكر الاشتراكي العلمي”، وتوقفت عن الصدر بعد ذلك لأسباب أجهلها، وأرجو من المشاركين، وبالذات أولئك الذين واكبوا هذه الفترة، توضيح أسباب ذلك التوقف، وإن كان قد ورد في أحد أعداد مجلة “الثقافة الجديدة” بعد صدورها، أن التوقف كان اضطراريـًا.
كان الفقيد عبدالله باذيب، قد أنقطع عن ممارسة نشاطه الصحفي منذ فجر الاستقلال، لأسباب باتت معروفة، وهي توجهه بكل كيانه نحو العمل السياسي، جنبـًا إلى جنب مع جميع الذين آمنوا بضرورة القيام بجبهة وطنية عريضة بعد الاستقلال.. ومع ذلك له إسهاماته الثقافية والفكرية في دوريات خارج الوطن مثل الطليعة المصرية.
وأشارت رضية شمشير إلى أن المناضل الفقيد عبدالله باذيب أنكب على مهمة إعادة إصدار مجلة “الثقافة الجديدة”، بشوق الإنسان الذي عاد إلى مهنته الأصلية، وكما قال في وقت مبكر في عام 1945م: “إن رسالة الصحفي هي رسالة الإنسان الواعي المسؤول في الحياة، الإنسان الذي يؤمن بقوة الكلمة المطبوعة وأثرها في تغيير الواقع وتحريك الشعوب”.
واستطردت قائلة: إن عبدالله باذيب هو الإنسان العاشق للحرف والكلمة، وعلى هذا الأساس خطط أن تعود المجلة للصدور، وفقـًا لهذه الرؤية الصادقة.
وأشارت شمشير إلى أنها عاصرت الفقيد عبدالله باذيب من خلال تحملها مهام سكرتيرة التحرير “لمجلة الثقافة الجديدة”، وتحديدًا خلال الفترة يناير 1974م، إلى قبيل وفاته في يوم الاثنين الـ 16 من أغسطس 1976م.. مشيرة إلى أنـه بسبب الظروف والإمكانيات المادية المتواضعة – آنذاك – لم تكن هناك إمكانية لتشكيل هيئة سكرتارية متكاملة خاصة بالمجلة.
وأكدت أن الفقيد عبدالله باذيب تحمل بالرغم من مسؤولياته الكبيرة والمتعددة بحكم منصبه الوزاري الإشراف والتوجيه المباشر على المجلة، وجعلها تتبع مكتب الوزير مباشرة.
وأوضحت أن ذلك كان نابعـًا في الأساس من قلقه الشخصي في ألا تتوقف المجلة عن الصدور مهما كانت الظروف والإمكانيات. ويؤكد هذا نزوله بشكل مستمر إن لم يكن يوميـًا على مطبعة الجمهورية – دار الهمداني – فيما بعد، للمتابعة الشخصية، إلى حين صدور العدد من الغلاف للغلاف، حرصـًا منه ألا يحدث أية طارئ فني يعرقل صدور المجلة.
وأشارت الأستاذة رضية شمشير في سياق ورقتها بهذه المناسبة : أن الفقيد المناضل عبدالله باذيب لقد تعرض بسبب هذا إلى مضايقات من خصومه السياسيين، وتحمل أذاهم وسخريتهم بصدر رحب، بالرغم من ادعاءاتهم الثورية، إذ كانوا يتندرون بأنـه وزير لمجلة “الثقافة الجديدة”، ولكن ظلوا في غيضهم يعمهون وهيهات لهم أن يدركوا حقيقة حبه الأبدي للصحافة أو غايته النبيلة من خلال الجهود التي بذلها وكرستها المجلة في مجال تطوير ثقافتنا الوطنية على أسس تقدمية ديمقراطية، واهتمامها بالتراث الوطني خاصة والعربي عامة، ومن أجل نشر ورعاية الجديد التقدمي في المجال الأدبي والفكري والفني.
وأكدت شمشير : أن عبدالله باذيب كان هدفه الأسمى من إعادة صدور مجلة “الثقافة الجديدة” خدمة القضية الوطنية اليمنية وتشجيع الحوار الديمقراطي الهادف والموضوعي لمعالجة المسائل الثقافية والاجتماعية والسياسية وربط النضال في الجبهة الفكري والأدبية والفنية بالنضال في الجبهة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ولكن الثقافة الجديدة استمرت تصدر عددًا بعد عدد بانتظام، وأهم من ذلك استمرت تجدد نفسها وتعمل على أن تتطوَّر دائمـًا إلى الأفضل والأروع.. مشيرة إلى أنه من حيث أسلوب تعبيره السلس كصحفي، فهو أول ما يتميز بمنطق هادئ يحاور ويناقش القارئ ليوصله في الأخير إلى الاقتناع بالفكرة أو الرأي.. وقد يحتد ولكن في حدود أدب الحوار، وقد يختلف ولكن ليس إلى الحد الذي يصل فيه إلى الخصومة والقطيعة مع الرأي الآخر.. فهو القائل: “إن الهيئة التي لا يثور النقد والنقاش بين أعضائها، بل وتحاول أن تقتل كل صوت معارض، أو رأي مغاير للآراء السائدة بدعوى أن الخصوم سيستغلون ذلك الخلاف للتشهير والشماتة بها.. مثل هذه الهيئة تظل معزولة عن الحياة النامية المتطورة، وشيئـًا فشيئـًا يتعفن كيانها وتـُصابُ بالعقم والجمود”.
وأشارت شمشير إلى قول باذيب أن : “الكاتب الحر لا ينتظرُ حتى تتحرك الجماهير، وتزحم الطريق نحو الهدف، بل هو الذي يتحرك أولاً ويشعل طاقة النضال في وجدان الجماهير ويتقدم ويضحي ويواجه النتائج بشجاعة وبسالة”.
أنـَّه أكثر من كاتب.. إنـَّه معلمُ وقائد.
ذلك أنَّ الكاتب الحر إنسان مسؤول ملتزم.. مسؤول عن توصيل وعيه إلى الجموع.. ملتزم أمام هذه الجموع بالتعبير عن آمالها والدفاع عن حقوقها الطبيعية.
واختتمت الاستاذة رضية شمير ورقتها في الندوة التي نظمتها نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين القول: بأنـَّها تعلمت من الفقيد عبدالله باذيب حب المهنة، العمل بدأب وصمت – الإخلاص والوفاء – صفات غدت عملة صعبة في أيامنا هذه، كانت من أهم وصاياه، التي انغرزت في أعماق وجداني “الأنا قاتلة.. فأحذر بها”.
واستمع الحضور الى مداخلات من رفاق وتلامذة الفقيد عبدالله باذيب ، الاساتذة طه بامطرف ، نوال قاسم سيف ، الشاعر شوقي شفيق ، الاعلامي نجيب مقبل ، المحامي جسار مكاوي ، الصحفية افراح الحميقاني.
واجمع المتحدثون والمتحدثات ان السيدة مرام احمد زوقري ، أرملة الفقيد عبدالله باذيب كان لها الكبير في تربية وتنشئة أبناءه وتعليمهم ووصولهم الى مراتب عليا ، وتحملت كثيرا من المعاناة منذ لحظة وفاته في 16 أغسطس 1976م ، لذلك لم يمت باذيب وظلت جينات الأب والأم تدب في عروق الأبناء حسب التناولات التي أثرت الندوة ثراء كبيرا ، ودعوا الى توثيقها في سجلات النقابة .